مقالات ورأي

ايران في خطر …؟!

نبيه البرجي

آن الأوان , والأحداث تتلاحق على ذلك النحو , أن نطرق بشفافية , الباب الايراني . هذا من موقعي كصحافي دفعت الثمن غالياً , وغالياً جداً , لكتاباتي المؤيدة للسياسات الايرانية , دون أن أكون معنياً بالبنية الايديولوجية للنظام . أيضاً , كلبناني مدين لكل من آزر المقاومة في اجتثاث الاحتلال , وهي الظاهرة التاريخية , والفذة , في عصرنا .
هذا مع اقتناعي بما قاله الجنرال فو نغوين غياب من أن العنصر البشري هو الأساس , ولكن هل كان للفيتكونغ أن يطردوا الأميركييين من بلادهم (58000 قتيل وتدمير 10000 طائرة) دون العامل المادي , وحتى العامل الايديولوجي , من الاتحاد السوفياتي والصين ؟
على مدى الأربعة عقود التي أعقبت الثورة , والمواقف العاصفة تتلاحق من طهران لتظهر مدى فاعلية النظام في الداخل . وكان واضحاً من أقوال بعض المسؤولين أن الطوفان الثوري لا يقتصر على الأرض الايرانية , لتثبت الأحداث أن أي تغيير في معادلات المنطقة يبدو مستحيلا ما دام النفط هناك , وما دامت اسرائيل هناك ..
أما ما حدث في لبنان فكان الاستثناء . أقرب الى اللحظة الأسطورية وحيث كان تقهقر القوة التي لا تقهر …
دائماً الأصوات العالية من ايران , دون أن تتوقف , يوماً , التعبئة الايديولوجية , والتعبئة السياسية . لهذا صدمتنا الاختراقات التي حققها الموساد لأكثر الأهداف حساسية فيها . من الاستيلاء على الوثائق النووية الى اغتيال محسن فخري زاده , وصولاً ال سلسلة الانفجارات , والحرائق , التي طاولت أكثر المفاعلات أهمية .
ما صدمنا أكثر اتهام وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لاسرائيل وللغرب بالعمل لاشعال الحرب الأهلية في بلاده , والى حد تفكيكها . لا نتصور أن الجمهورية على هذا المستوى من الهشاشة ليتمكن الآخرون من فعل ذلك , بعدما أخفقوا في استيعابها ديبلوماسياً وعسكرياً ؟
ما لاحظناه في الآونة الأخيرة يستدعي الكثير من النظر والكثير من التأمل . هل وصل النظام الى الحائط , بعدما كثر المنتقدون لما دعوه “النقص في التفاعل مع الأجيال” , ناهيك عن “القصور المتعمد لقراءة التغيرات التي تحصل في طريقة التفكير وفي طريقة الرؤية” ؟
ثمة بين الفلاسفة والكتاب في الغرب (ميشال فوكو , جان جينيه , روجيه غارودي , غانتر غراس , ناعوم تشومسكي …) من افتتنوا بالتجربة الايرانية قبل أن يتراجعوا , وهم يشتكون من “أزمة التفاعل” التي تدفع بالتجربة , عاجلاً أم آجلاً , الى المأزق .
آخرون من الأصدقاء الذين على بيّنة من العواقب الكارثية للعقوبات الأميركية يتساءلون ما كانت حصيلة ذلك الصراع الطويل , والمرير ؟ في رأيهم أن سياسات الانغلاق أحدثت سلسلة من الهزات داخل المجتمع الايراني , والى حد التساؤل لماذا يفترض ببلدهم , دون سائر بلدان العالم , أن يكون في حال المواجهة مع أميركا ؟
هؤلاء يلاحظون مدى مرونة القيادة الايرانية في العلاقات مع رجب طيب اردوغان , وهو الذي دمر سوريا , كما يراقص أميركا , مثلما يراقص اسرائيل . ظروف الحصار هي التي اقتضت ذلك . لماذا لا تكون البراغماتية في التعاطي مع الولايات المتحدة ما دامت الجمهورية الاسلامية تمتلك كل الامكانات لتكريس معادلة الند للند ؟
وفي رأيهم أن المسار الجيوسياسي بالديناميكية الثورية لايران هو الذي حمل بلداناً عربية على اللجوء أكثر فاكثر الى الظهير الأميركي , وحتى الى الظهير الاسرائيلي .
ولكن من يستطيع اغفال دور المؤسسة اليهودية في افتعال الصراع , لتستمر بلدان المنطقة في تبعثرها ؟ هذا يندرج , أيضاً , في أساس الاستراتيجية الأميركية ليبقى النفط في قبضتها كعامل محوري في القيادة السياسية , والاقتصادية , وحتى القيادة الفلسفية , للكرة الأرضية ..
بالشفاقية اياها , وتأسيساً , على ما قاله عبد اللهيان , ايران أمام التحديات الأكثر خطورة منذ عام 1979 .
حتماً لا ندعو الى الانحناء أو للتبعية للاله الأميركي . ولكن هناك أكثر من سبيل أمام النظام لفتح الأبواب مع الداخل الذي , بطبيعة الأشياء , يتغير . حائكو السجاد يمتلكون الكثير من الحنكة ومن طول الأناة ليعرفوا كيف يمدون أيديهم ومتى , وأين . آن الأوان …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى