مقالات ورأي

جمهوريّة الكوت دازور

نبيه البرجي

حين قال الشاعر التركي ناظم حكمت “يا الهي… الى أين يمضي بنا هذا الشراع الذي بمائة سارية”؟. في ضوء ما حدث، وما يحدث، لم يعد أمامنا سوى أن نسأل الله “الى أين تمضي بنا هذه الجمهورية التي بمائة راية ؟”. لا شراع هناك يقوده ذلك العدد من الربابنة، ولا دولة هناك يقودها هذا العدد من الساسة…

ما دام الاليزيه ملاذنا الأخير، والوحيد، نحاول الغوص في ما كتب، في فرنسا، حول لبنان. هل، حقاً، أن جورج كليمنصو، وأثناء لقاءاته مع البطريرك الياس الحويك، كان يشكك في واقعية قيام دولة مسيحية وسط ذلك الأوقيانوس الاسلامي، بفوضويته الايديولوجية، لأنها لن تلبث أن تتحول الى عالة على المسيحيين؟

 

 

هذه كانت، أيضاً، قناعة الجنرال غورو، وان كانت “دولة لبنان الكبير” قد ولدت على يديه في مشهد فولكلوري لا ينسى على درج قصر الصنوبر.

واذا كان السفير رينيه آلا قد افتتن بالديناميكية اللبنانية (لبنان ينتج اللبنانيين)، فان فرنسياً آخر هو اريك رولو استغرب بقاء دولة تقوم على “فلسفة الأزمات”. تحديداً، استخدم مصطلح “ايديولوجيا الأزمات”!

طوائف مبعثرة، وترسبات بعضها قبلي، وبعضها تاريخي، دون أن تحاول الطبقة السياسية بذل أي جهد لبلورة شخصية سوسيولوجية للدولة. وكانت الصراعات المتلاحقة، وبكل الوسائل، من أجل السلطة. لا قضية لتلك الطرابيش سوى السلطة…

مقارنة بين الجمهورية الرابعة في فرنسا والجمهورية الثانية في لبنان، وقد بدأت بدستور الطائف. لكن فرنسا التي لامست الحرب الأهلية في نهايات الجمهورية الرابعة أنتجت شارل ديغول الذي أطلق الجمهورية الخامسة، بمفاهيم، ورؤى، وآليات، تعيد لبلاده ألقها، ودورها. ماذا أنتج لبنان سوى ملوك الطوائف؟

هكذا تم الانتقال (الدستوري)، عقب الحرب الأهلية، من الخراب الى الخراب. وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا تخشى أن تكون بلادها تحاول انقاذ غريق لفظ أنفاسه الأخيرة.

تماماً مثلما تحدث الوزير الانكليزي و. طومسون عام 1860، في مؤلفه “الكتاب والأرض”، عن طوائف تتبادل الكراهيات، ولا تستطيع أن تحكم نفسها بنفسها. دائماً مشرعة على الرياح الخارجية.

اذاً، لا ديناميات لدولة مستدامة، أو خالية من التبعية. مشكلتها أنها لا تستطيع أن تكون موحدة، ولا تستطيع أن تكون مجزأة. التعقيدات الاقليمية تحيط بها. هنا سوريا وهناك اسرائيل. نصف هنا ونصف هناك. دولة بين مستحيلين كيف لها أن تقوم، وأن تبقى؟ جورج نقاش قال ان سلبيتين لا تصنعان وطناً. الآن… مستحيلان!

بطبيعة الحال، الفرنسيون قرؤوا بدقة، بل وبمنتهى الدقة، المواصفات التي حددها السيد حسن نصرالله للرئيس العتيد. هم يدركون جيداً ما تعنيه تلك المواصفات. لا يأبهون لا بالأسماء التي تطرح، ولا بالمسرحيات التي تجري، في ساحة النجمة.

خائفون ما اذا كانت المراوحة الراهنة، وحيث التدهور أكثر فأكثر، ستجعل من الفراغ الدستوري مدخلاً (مبرمجاً) للفوضى السياسية، وللفوضى الأمنية. بالكثير من الريبة تلقفوا طرح احدى المرجعيات وضع لبنان بادارة (أو بوصاية) لجنة دولية يشكلها مجلس الأمن، ريثما يحصل التوافق بين القوى الدولية، والقوى الاقليمية، حول الصيغة البديلة، وربما حول المسار الاستراتيجي.

يأس كامل من أن تتمكن المنظومة السياسية، العاجزة عن القيام بأي خطوة في طريق الاصلاح الاقتصادي، والاصلاح المالي، من التوصل، منفردة، الى أي حل. واقتراح بطائف من نوع آخر، في الكوت دازور، بعيداً عن شبح فرساي. هناك يمكن للمناخات السحرية أن تأتي بالتسوية السحرية، اذا ما أخفقت العصا السحرية للرئيس نبيه بري في قيادة الأوركسترا…

ولتكن “جمهورية كوت دازور” بدل أن تكون “جمهورية والت ديزني” أو “جهورية غوار الطوشي” !

من أطرف ما نقل الينا من باريس أن الفرنسيين سيقولون لسمير جعجع “عليك أن تختار بين جبران باسيل وسليمان فرنجية؟”. لا بد أن يختار باسيل. هاجسهم من يختار السيد حسن؟ هنا السؤال الصعب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى