مقالات ورأي

الفاشية العميقة وتجلياتها

ن السلوك الفاشي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، يُلخص طبيعة دولة الكيان الصهيوني، التي قامت على فلسفة القوة وإبادة شعب البلاد الأصلي. كما يُلخص طبيعة التحوُّلات المتتالية داخل هذا المجتمع الصهيوني الذي وصل إلى حدودٍ عالية من التطرف.

مشاهد الفاشية العميقة باتت مُنغرسة في المجتمع “الإسرائيلي الصهيوني”، وعبَّرت عن نفسها بالإعدامات الميدانية التي تجري من حينٍ لآخر. وتمسُّ الفتيان والشبان والشابات، خصوصًا في منطقة ومدينة جنين.
فجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأجهزته الأمنية، يصبُّ الوقود على نار التحريض والعزف على وتر الغرائز البهيمية المنفلتة في المجتمع “الإسرائيلي الصهيوني”. والمسألة الأساسية هي أن الكاميرا هنا، تُظهر لنا بشكل نادر نسبيًّا توثيقًا مفصلًا وشاملًا لما يجري، والتي لا تُبقي أي مجال للتحليل المناقض، إنها توثق العمل بين العربدة التي يمارسها رعاع وغوغاء ويمين المجتمع الصهيوني بغالبيته الساحقة والتحريض على الشبكات الاجتماعية والديماغوجيا المُنفلتة في الساحة السياسية “الإسرائيلية” على أعلى مستوياتها، والتي لا مفر من تسميتها باسمها الصريح بـ(الفاشية).
إن السلوك الفاشي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، يُلخص طبيعة دولة الكيان الصهيوني، التي قامت على فلسفة القوة وإبادة شعب البلاد الأصلي. كما يُلخص طبيعة التحوُّلات المتتالية داخل هذا المجتمع الصهيوني الذي وصل إلى حدودٍ عالية من التطرف. فالحقيقة هنا لا تكمن فقط في تحوُّل “المجتمع الإسرائيلي” إلى مجتمع عنصري، وانعدام القِيَم عند جيش وأجهزة الاحتلال، بل تَكمُنُ في هذا القدر الكبير من التعطش للدماء. وفي هذا المعنى يتفكك المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية أكثر فأكثر تحت سطوة التطرف والأصولية التوراتية. حيث كان اغتيال اسحق رابين تجليًا صارخًا من تجليات العنف الدموي، في نظام وكيان يُهيمن على قراره السياسي والأمني والعسكري المتطرفون.
إن الكيان المُسمَّى “إسرائيل” كان وما زال تحت هيمنة القرار والصوت الفاشي، ولعلَّ موشيه أرنس، وزير الحرب السابق، واحد من هذه الأصوات التي لا تتوقف يومًا عن وصف الفلسطينيين بالإرهابيين، ولا تقرأ التاريخ سوى أنه تاريخ إرهاب فلسطيني ضد الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة منذ العام 1921 وحتى الانتفاضة والهبات المتتالية. فهو يَعد بأن “إسرائيل في موقف الدفاع عن الذات، والدفاع عن الذات يُبرر للإنسان سلوك كل الأساليب التي تضمن حمايته من الإرهاب”. لذلك لا يرى موشيه أرنس في إعدام الجرحى من الفلسطينيين، وإطلاق النار عليهم سوى “عمل أخلاقي” يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي. وبذا يرفض موشيه أرنس الالتزام بقواعد الحرب وقوانينها.
إن منبع الفاشية في سلوك المجتمع “الإسرائيلي الصهيوني” على أرض فلسطين العربية، ينطلق أيضًا من حواضن الرؤية الصهيونية، ولغة الصلف والغرور، فكل دولة أو كيان أو أي حركة سياسية تُضفي صفات التميُّز، التفوق، الفرادة، الاستثناء، والقداسة الأسطورية على حالها أو شعبها، أو أمتها، أو طائفتها، أو مذهبها… إلخ، يعني، عمليًّا، أنها قررت، عن سابق إصرار وتصميم، “شيطنة” كل “أغيارها”، توطئة لتعبئة وتنظيم وحشد، وإعداد ما أمكن من جمهورها وأتباعها، وإقناعهم وانخراطهم فيما تُعِد. إن في هذا ما يكفي لولادة الحركات والدول العنصرية الفاشية بصورها، وتجريم كل من ينتقد ويناهض ما ترتكبه من جرائم حرب موصوفة، وإبادة جماعية ممنهجة، وتطهير عرقي مُخطط، وهو الأمر السائد منذ قيام الكيان الصهيوني على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
إن “إسرائيل” والمجتمع “الإسرائيلي الصهيوني” المتساوق مع جيشه وأجهزة أمنه تتساوى، في كل ما تَقدَّم مع الدول العنصرية الفاشية التي عرفها التاريخ الحديث والمعاصر للبشرية، وكل ما يميزها عنها هو أنها لا تزال تتمسك بكذبة أنها “دولة يهودية ديمقراطية”، وبأكذوبة أن جيشها هو “الجيش الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم قاطبة”، وبكذبة “أن الفلسطينيين عندما يأتون لقتل مواطنيها اليهود، هم من يجبر جيشها على قتلهم”.
إن المجتمع “الإسرائيلي” بات اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، مُنحازًا بغالبيته لصالح قوى اليمين والتطرف، ومنحازًا لصالح ونهج السياسات الصقرية لعتاة الصهاينة، من عموم الأحزاب والتشكيلات السياسية، الذين حققوا نتائج ملموسة في الانتخابات التشريعية التي تم إعادتها أربع مرات، والخامسة على الطريق خلال أربع سنوات فقط.
فقد فَرَضَ جمهور اليمين واليمين المتطرف وجمهور المستعمرات نفسه في أجواء ومناخات التحريض وشعارات التطرف الانتخابية التي أطلقتها قوى اليمين واليمين المُتطرف المُختلفة بأسمائها وعناوينها. فكانت النتائج مدوية، ونقطة انعطاف وتحوُّل في مسار الأجواء السياسية العامة في “إسرائيل” لصالح التأكيد دون منازع على حضور وسطوة اليمين واليمين المتطرف واتساع قاعدته الاجتماعية والسياسية على حساب قاعدة قوى ما يُسمى بـ”اليسار الصهيوني” والقوى السياسية والاجتماعية القريبة منه.
إن حكومات “إسرائيل” المتتالية، محكومة بسحر التطرف، وبشعارات الديماغوجيا السياسية الشعبوية التي أصَابَت فيها صميم مطالب ومواقف المُتطرفين في المجتمع “الإسرائيلي”، ودغدغت فيها مشاعرهم ومواقفهم تجاه قضايا التسوية السياسية مع الفلسطينيين والعرب، وانساقت مع مواقفهم الغوغائية والبهيمية في تطرفها حيال الشعب الفلسطيني.
وعليه، إن جريمة القتل والإعدامات الميدانية المُباشرة للفتيان والشبان والشابات العرب الفلسطينيين، أصحاب الوطن الأصليين، في مختلف مناطق الضفة الغربية، لا يُمكن تبريرها إلا بكراهية العرب وفجور المجتمع الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، حيث تحوَّلت عمليات القتل الميداني من وجهة نظر هذا المجتمع إلى عمل بطولي، بينما هو في جوهره عمل جبان لا يحتاج إلى الجرأة لتنفيذه. إنه عمل جبان تحوَّل في نظر الجموع إلى عمل بطولي، فقط لأن الهدف هو قتل فلسطيني في نهاية الأمر نَزَفَ دمه على الشارع. ولم يسبق أن صفق الكثيرون بهذا القدر لقاتل حقير بهذا القدر.
إن المجتمع “الإسرائيلي الصهيوني” يمتلك سمات ومواصفاتٍ بارزة للعنصرية والفاشية، حين يعتقد أفراده “أن لليهود حقوقًا إضافية قياسًا بالأغيار الذين يُعد مواطنين من الدرجة الثانية في نظر النخبة الحاخامية ومؤيديها الكثيرين”. وهنا علينا أن نلاحظ الآتي: بعد أن قامت منظمة “بتسليم” التي تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 بنشر فيديو مصوّر لعملية إعدام شهيد فلسطيني قبل عدة سنوات، في مدينة الخليل، وبعد بضع ساعات من نشر الشريط، كتب في حينها النائب السابق في الكنيست “الإسرائيلي” (يانون مغيل) في حسابه على تويتر: “بوريم سعيد يهود” فأثار تحريضًا إضافيًّا واسعًا عند صفوف اليمين واليمين المتطرف على صفحات التواصل في الشبكات الاجتماعية.

علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى